خَطَّتْ يداكَ الرَّوْضَة َ الغَنَّاءَ … وفرغتَ من صرحِ الفنونِ بناءَ
ما زلتَ تَذهبُ في السُّمُوّ بِركنِهِ … حتى تجاوزَ ركنهُ الجوزاءَ
دارٌ من الفنّ الجميلِ تقسَّمَتْ … للساهرين رواية ً وراواءَ
كالروْضِ تحتَ الطيرِ أَعجبَ أَيْكُه … لَحْظَ العيونِ، وأَعجَبَ الإصغاءَ
ولقد نزلتَ بها ، فلم نرَ قبلها … فلكاً جلا شمسَ النهارِ عشاءَ
وتوهَّجَتْ حتى تقلَّب في السَّنا … وادي الملوكِ حجارة ً وفضاءَ
فتلفَّتُوا يتهامسون: لعلَّهُ … فجرُ الحضارة ِ في البلاد أَضاءَ
تلك المعازفُ في طلولِ بنائهم … أكثرنَ نحوَ بنائكَ الإيماء
وتمايلتْ عيدانهنَّ تحية ً … وترنَّمَتْ أَوتارُهُنَّ ثناء
يا بانيَ الإيوانِ، قد نسَّقتَهُ … وحذوتَ في هندامها الحمراء
أينَ الغريضُ يحلُّهُ أو معبدٌ … يتبّوأَ الحجراتِ والأبهاءِ ؟
العبقرِيّة ُ من ضَنائنه التي … يحبو بها سبحانه من شاءَ
لما بنيتَ الأَيْكَ واستَوْهَبْتَهُ … بَعثَ الهَزارَ، وأَرسَلَ الوَرْقاءَ
فسمعتَ من متفرِّدِ الأنعامِ ما … فاتَ الرشيدَ، وأَخطأ النُّدَمَاءَ
والفنُّ ريحانُ الملوكِ ، وربّما … خَلَدُوا على جَنباتِه أَسماء
لولا أَياديه على أَبنائنا … لم نلفَ أمجدَ أمَّة آباءَ
كانت أوائلُ كلِّ قومٍ في العلا … أرضاً ، وكنَّا في الفخارِ سماء
لولا ابتسامُ الفنِّ فيما حَوْلَهُ … ظَلَّ الوجودُ جَهامة ً وجَفاءَ
جِّدْ من الفنِّ الحياة ِ وما حوتْ … تجدِ الحياة َ من الجمالِ خلاءَ
بالفنِّ عالجتِ الحياة َ طبيعة ٌ … قد عالجتْ بالواحة ِ الصحراء
تأوي إليها الروحُ من رمضائها … فتُصيب ظِلاًّ، أَو تُصادِفُ ماءَ
نبضُ الحضارة ِ في الممالكِ كلِّها … يجري السلامة َ أو يدقَ الداءَ
إن صحَّ فهيَ على الزمان صحيحة ٌ … أو زافَ كانت ظاهراً وطلاءَ
انظرْ ـ أَبا الفاروقِ ـ غَرْسَك، هل ترى … بالغرسِ إلا نعمة ً ونماء ؟
مِنْ حَبّة ٍ ذُخِرَتْ، وأَيدٍ ثابَرَتْ … جاءَ الزمانُ بجَنَّة ٍ فَيْحاءَ
وأكنَّتِ الفنّ الجميلَ خميلة ٌ … رمتِ الظِّلالَ ، ومدَّتِ الأفياءَ
بذَلَ الجهودَ الصالحاتِ عصابة ٌ … لا يَسأَلون عن الجهود جَزاءَ
صحبوا رسولَ الفنِّ لا يألونه … حبَّاً ، وصدقَ مودّة ٍ ، ووفاءَ
دفعوا العوائقَ بالثبات ، وجاوزوا … ما سرَّ من قَدر الأُمور وساءَ
إن التعاوُنَ قوّة ٌ عُلْوِيَّة ٌ … تبني الرجالَ ، وتبدع الأشياءَ
فليهبهمْ ، حاز التفاتك سعيهم … وكسا ندِيَّهُمُ سَناً وسَناءَ
لم تبدُ للأبصار إلا غارساً … لخالفِ الأجيالِ أو بنَّاءَ
تغدو على الفتراتِ تَرتَجِلُ النَّدَى … وتروحُ تصطنعُ اليدَ البيضاءَ
في مَوكِبٍ كالغيْثِ سار ركابُهُ … بشراً ، وحلَّ سعادة ً ورخاءَ
أَنت اللِّواءُ التفَّ قومُك حَوْله … والتاجُ يجعله الشعوبُ لِواءَ
مِنْ كلِّ مِئْذَنة ٍ سَمِعْتَ مَحَبَّة ً … وبكلِّ ناقوسٍ لقيتَ دُعاءَ
يتألفان على الهتافِ ، كما انبرى … وترٌ يساير في البنان غناءَ