حاشَى الرّقيبَ فَخانَتْهُ ضَمائِرُهُ … وَغَيّضَ الدّمْعَ فانهَلّتْ بَوادِرُهُ
وكاتمُ الحُبّ يَوْمَ البَينِ مُنهَتِكٌ … وصاحبُ الدّمعِ لا تَخفَى سرائرُهُ
لَوْلا ظِباءُ عَدِيّ ما شُغِفْتُ بهِمْ … وَلا برَبْرَبِهِمْ لَوْلا جَآذِرُهُ
من كلّ أحوَرَ في أنْيابِهِ شَنَبٌ … خَمْرٌ يُخَامِرُها مِسكٌ تُخامِرُهُ
نُعْجٌ مَحاجِرُهُ دُعْجٌ نَواظِرُهُ … حُمْرٌ غَفائِرُهُ سُودٌ غَدائرُهُ
أعَارَني سُقْمَ عَينَيْهِ وَحَمّلَني … منَ الهَوَى ثِقْلَ ما تَحوي مآزِرُهُ
يا مَنْ تَحَكّمَ في نَفسي فعَذّبَني … وَمَنْ فُؤادي على قَتلي يُضافِرُهُ
بعَوْدَةِ الدّوْلَةِ الغَرّاءِ ثَانِيَةً … سَلَوْتُ عَنكَ ونامَ اللّيلَ ساهرُهُ
منْ بَعدِ ما كانَ لَيلي لا صَباحَ لَهُ … كأنّ أوَّلَ يَوْمِ الحَشْرِ آخِرُهُ
غابَ الأميرُ فَغابَ الخيرُ عَنْ بَلَدٍ … كادَتْ لفَقْدِ اسمِهِ تَبكي مَنابِرُهُ
قدِ اشتَكَتْ وَحشَةَ الأحياءِ أرْبُعُهُ … وَخَبّرَتْ عَن أسَى المَوْتَى مَقابرُهُ
حتى إذا عُقِدَتْ فيه القِبابُ لَهُ … أهَلّ لله بادِيهِ وحاضِرُهُ
وَجَدّدَتْ فَرَحاً لا الغَمُّ يَطْرُدُهُ … وَلا الصّبابةُ في قَلْبٍ تُجاوِرُهُ
إذا خَلَتْ منكَ حمصٌ لا خلتْ أبداً … فَلا سَقَاها مِنَ الوَسميّ باكِرُهُ
دَخَلْتَها وشُعاعُ الشّمسِ مُتّقِدٌ … ونُورُ وَجْهِكَ بينَ الخلْقِ باهرُهُ
في فَيْلَقٍ مِنْ حَديدٍ لوْ قَذَفتَ بهِ … صرْفَ الزّمانِ لمَا دارَتْ دَوائِرُهُ
تَمضِي المَواكبُ والأبصارُ شاخصَةٌ … منها إلى المَلِكِ المَيْمُونِ طائِرُهُ
قَدْ حِرْنَ في بَشَرٍ في تاجِهِ قَمَرٌ … في دِرْعِهِ أسَدٌ تَدْمَى أظافِرُهُ
حُلْوٍ خَلائِقُهُ شُوسٍ حَقائِقُهُ … تُحصَى الحَصَى قَبلَ أنْ تُحصَى مآثرُهُ
تَضيقُ عن جَيشه الدّنيا ولوْ رَحُبتْ … كصَدْرِهِ لم تَبِنْ فيها عَساكِرُهُ
إذا تَغَلْغَلَ فكرُ المرءِ في طَرَفٍ … من مَجْدِهِ غَرِقَتْ فيه خَواطِرُهُ
تَحْمَى السّيوفُ على أعدائِهِ مَعَهُ … كأنّهُنّ بَنُوهُ أوْ عَشائِرُهُ
إذا انْتَضَاها لحرْبٍ لمْ تَدَعْ جَسَداً … إلاّ وباطِنُهُ للعَينِ ظاهِرُهُ
فَقَدْ تَيَقّنّ أنّ الحَقّ في يَدِهِ … وَقَدْ وَثِقْنَ بأنّ الله نَاصِرُهُ
تَرَكْنَ هَامَ بَني عَوْفٍ وثَعْلَبَةٍ … على رُؤوسٍ بلا ناسٍ مَغَافِرُهُ
فخاضَ بالسّيفِ بحرَ المَوْتِ خَلفَهُمُ … وكانَ منهُ إلى الكَعْبَينِ زاخِرُهُ
حتى انتهَى الفرَسُ الجاري وما وَقعَتْ … في الأرضِ من جِيَفِ القتلى حوافرُهُ
كَمْ مِنْ دَمٍ رَوِيَتْ منهُ أسِنّتُهُ … وَمُهْجَةٍ وَلَغَتْ فيها بَواتِرُهُ
وحائِنٍ لَعِبَتْ شُمُّ الرّماحِ بهِ … فالعَيشُ هاجِرُهُ والنّسرُ زائِرُهُ
مَنْ قالَ لَسْتَ بخَيرِ النّاسِ كلِّهِمِ … فجَهْلُهُ بكَ عندَ النّاسِ عاذرُهُ
أوْ شَكّ أنّكَ فَرْدٌ في زَمانِهِمِ … بلا نَظِيرٍ فَفي روحي أُخاطِرُهُ
يا مَنْ ألُوذُ بِهِ فيمَا أُؤمّلُهُ … وَمَنْ أعُوذُ بهِ مِمّا أُحاذِرُهُ
وَمَنْ تَوَهّمْتُ أنّ البَحرَ راحَتُهُ … جُوداً وأنّ عَطاياها جَواهِرُهُ
لا يَجْبُرُ النّاسُ عَظْماً أنْتَ كاسِرُهُ … وَلا يَهيضُونَ عَظْماً أنتَ جابِرُهُ