جعلتُ حُلاها وتمثالها … عيونَ القووافي وأمثالها
وأَرسلتُها في سماءِ الخيال … تجرُّ على النجم أذيالها
وإني لغِرِّيدُ هذي البطاح … تَغَذَّى جَناها وسَلْسالها
ترى مصر كعبة َ أشعاره … وكلِّ معلقة ٍ قالها
وتلمَحُ بين بيوتِ القصيدِ … جحالَ العروسِ واحجالها
أَدار النسيبُ إلى حبِّها … وولَّى المدائحَ إجلالها
أَرَنَّ بغابرها العبقريّ … وغنى بمثل البكا حالها
ويروي الوقائع في شعره … يروض على البأس أطفالها
وما لَمَحوا بعدُ ماءَ السيوفِ … فما ضَرّ لو لَمَحوا آلها
ويوم ظليل الضحى من بشنس … أَفاءَ على مصرَ آمالها
رَوَى ظلُّه عن شباب الزمانِ … رفيفَ الحواشي وإخضالها
مشَت مصرُ فيه تُعيد العصورَ … ويغمر ذكر الصبا بالها
وتَعْرض في المِهرجان العظيمِ … ضحاها الخوالي وآصالها
وأَقبل رمسيسُ جَمَّ الجَلالِ … سني المواكب ، مختالها
وما دان إلا بِشُورَى الأُمور … ولا اختال كِبْراً، ولا استالها
فحيَّا بأَبْلجَ مثلِ الصَّباحِ … وجوهَ البلادِ وأَرسالها
وأَوْما إلى ظلماتِ القرونِ … فشقّ عن الفنّ أسدالها
فمن يبلغ الكرنكَ الأقصريَّ … وينبيء طيبة أطلالها
ويسمع ثمَّ بوادي الملوكِ … ملوكَ الديار وأَقيالها
وكلَّ مخلدة ٍ في الدمى … هنالك نُحصِ أَحوالها
وما كعلي ولا جيلِه … ويفضُلْنَ في الخيرِ مِنوالها
تكاد وإن هي لم تتصل … بروحٍ ـ تُحَرِّك أَوصالها
وما الفنُّ إلا الصريح الجميل … غذا خالط النفس أوحى لها
وما هو إلا جمالُ العقول … إذا هي أَوْلَتْه إجمالها
لقد بعث الله عهد الفنون … وأَخرجت الأَرضُ مَثَّالها
تعالوا نرى كيف سوى الصفاة َ … فتة ً تلملمُ سربالها
دنت من أبي الهول مشى الرؤوم … إلى مُقْعَدٍ هاج بَلْبالها
وقد جاب في سَكَرات الكَرَى … عروضَ الليالي واطوالها
وأَلْقى على الرمل أَرْواقَه … وأَرْسى على الأَرض أَثقالها
يخال لإطراقه في الرمال … سَطِيحَ العصورِ ورَمّالها
فقالت: تَحرَّكْ، فَهمّ الجمادُ … كأَن الجمادَ وعَى قالها
فهل سَكَبَتْ في تجاليده … شعاعَ الحياة وسالها ؟
أَتذكُر إذ غضِبَت كاللّباة ِ … ولمت من الغيل أشبالها ؟
والقت بهم في غمار الخطوبِ … فخاضوا الخطوبَ واهوالها
وثاروا ، فجن جنونُ الرياحِ … وزُلزِلتِ الأَرضُ زِلزالها
وبات تلمسهم شخهم … حديث الشعوب واشغالها
ومن ذا رأى غابة ً كافحتْ … فردت من الأسرِ رئبالها ؟
وأهيب ما كان بأس الشعوبِ … إذا سلَّح الحقُّ اعزالها
فوادث ، ارغع الستر عن نهضة … تقدم جدك أبطالها
وربّ امرىء ٍ لم تَلِده البلادُ … نماها ، ونبه أنسالها
وليس اللآلىء مِلْكَ البحورِ … ولكنها مِلْكُ من نالها
… إذا عرضت مصر أجيالها
بنوا دولة من بنات الأسنـ … ـة ِ لم يشهد النيلُ أَمثالها
لئن جلل البحرَ أسطولها … لقد لبِس البرُّ قَسطالها
فأما أبوكَ فدنيا الحضا … رة ِ لو سالم الدهرُ إقبالها
تخيّر إفريقيا تاجَه … وركب في التاج صومالها
إن سرن في الارض نسنها … ركابَ السماءِ وأَفضالها
فلم تبرح القصر إلا شفيتَ … جدوبَ العقول وإمحالها
لقد ركب اللهُ في ساعديك … يمين الجدود وشمآلها
تخط وتبني صروحَ العلومِ … وتفتح للشَّرق أَقفالها