تعجَّبَتْ جارَتِي مِنِّي وَقدْ رَقدتْ … عنِّي العيون وبات الهمُّ محتشِدا
قالت لسُعدى وأخرى من مناصفها … ما هاج هذا وقد خيِّلته هجدا
قَالَتْ فَقُلْتُ لَهَا مَا زِلْتُ أكْتُمُكُم … وسًاوس الْحُبِّ حَتَّى ضَافَ فَاعْتَمَدَا
أرقتُ من خَّلة ٍ باتت وساوسها … تَسْرِي عَلَيَّ وَبَاتَتْ دَارُهَا صَدَدَا
حَوْرَاءَ كَانَتْ هَوَى نَفْسِي وُمُنْيَتَهَا … لو قرَّب الدَّهر من لقيانها أمدا
وَلَوْ تُكَلِّمُ مَحْمُولاً جِنَازَتُهُ … قد مات بالأمس أو ترثي له خلدا
فَالْقَلْبُ صَبٌّ مُعَنًّى حِينَ يَذْكُرُهَا … والعين عبرى تقاسي الهمَّ والسَّهدا
ما إن رأيت كمشعوفٍ بحبِّكمو … يَبْقَى وَلا مِثْلَكُمْ يَعْتَلُّ لوْ رَقَدَا
وعدتني ثمَّ لم توفي بموعدة … فَكُنْتِ كَالْمُزْنِ لَمْ يَمْطُرْ وَقَدْ رَعَدَا
إِذَا نَأَيْت دَعَانِي مِنْكُمُو نَكَدٌ … فإن دنوت منعت النَّائل النَّكدا
بليت والنَّأيُ متروكٌ على حزنٍ … ولا أرى القلب إلاَّ زادني بُعدا
أرْعَى مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ حَقَّهُمَا … لا يصلح الحرَّ إلاَّ حفظ ما وعدا
إِنِّي حَلَفْتُ يَمِيناً غَيْرَ كَاذِبَة ٍ … عِنْدَ الْمَقَام وَلَمْ أقْرَبْ لَهُ فَنَدَا:
لو خيِّر القلبُ من يمشي على قدم … لاَخْتَارَ سُعْدَى وَلَمْ يَعْدِلْ بِهَا أحَدَا
لو ساعفتنا وصدَّ النَّاس كلُّهمو … لما وجدت لفقد النَّاس مفتقدا
تركتني مستهام القلب في شغلٍ … لَهْفَانَ لا وَالِداً أهْوَى وَلا وَلَدَا
أخَا هُمُومٍ وَأحْزَان تَأوَّبُنِي … فاخشى إلهك إني ميت كمدا
كَأنَّنِي عَابِدٌ مِنْ حُبِّ رُؤْيَتِهَا … إِنَّ الْمُحِبَّ تَرَاهُ مِثْلَ مَنْ عَبَدَا
لا أرْفَعُ الطَّرْفَ في النادِي إِذَا نَطَقُوا … وَلا أزَال مكِبّاً بَيْنَهُمْ أبَدَا
بِهَمِّ نَفْسٍ مُعَنَّاة ٍ بِذِكْرِكُمُو … إِذَا أقُولُ خَبَا مَشْبُوبُهُ وَقَدَا
وَالْقَلْبُ عِنْدَكَ مَأخُوذٌ مَسَامِعُهُ … فلا يروعه من قام أو قعدا
أبْلَيْتِ جِسْمِي فَنَفْسِي غَيْرُ آمِنَة ٍ … أنْ يُدْرِكَ الرُوحَ مَا قَدْ خَامَرَ الجَسَدَا
ألاَ تَحَرَّجْتِ مِمَّا قَدْ رُمِيتِ بِهِ … وَسْطَ النّسَاء لِمَنْ أفْنَى وَقَدْ رَقَدَا
لَو كَانَ ذَا قُوَّة ٍ أعْفَتْ جَلاَدَتُهُ … وقد أزيدعلى ذي قوة جلدا
لَكِنَّ فِي الْحُبِّ أسْقَاماً مُنَهَّلَة ً … لذي الحلاوة حتى يجهد الكبدا
فلن أكون حديداً في مقالتكم … كما خلقتُ ولا صوانة ً صلدا
قَالَتْ: أرَاكَ تَعزَّى عَنْ زِيَارَتِنَا … وقد يزور بيوت الحيِّ من وجدا
فَقُلْتُ: إِنِّي عَدَانِي أنْ أزُورَكُمُو … قَوْمٌ يَبِيتُونَ مِنْ بَغْضَائِنَا رَصَدَا
مغفَّلون عن الخيرات عندهمو … مِنْ فِطْنَة ِ الشَّرِّ عِلْمٌ لَمْ يَكنْ رَشَدَا
ما ضرَّ أهلك يا سُعدى فقدتهمو … من عاشقٍ زار لو قالوا لهُ سددا
إِنَّ التَّجهمَ عَدَّى عَنْ زِيَارَتِكُمْ … مِمَّنْ عَلِقْتُ وَأَمْسَى ذَاكِ قَدْ جَهِدَا
مخلأًّ بات يرعى كل بارقة ٍ … لو كان يصفو له وردٌ لقد وردا
فَأرْسَلَتْ حِينَ كَلَّ الطَّرْفُ: إِنَّهُمو … قد نوموا فأتنا إن كنت مفتأدا
وَوَطَّنَتْ تِرْبَهَا الْحَوْلاَءَ لَيْلَتَهَا … قَبْلَ الرِّسَالَة ِ حَتَّى أصْبَحَتْ عَضُدَا
ولم أدع زينة ً حتى لبست لها … من الجديد لكي ألمم بهن غدا
فِي لَيْلَة ٍ خَلْفَ شَهْرِ الصَّوْم نَاقِصَة ٍ … تِسْعاً وَعِشْرِينَ قَدْ أحْصَيْتُهَا عَدَدَا
حتَّى ارتقيتُ إليها في مشيدة ٍ … دُونَ السَّمَاء تُنَاغِي ظِلَّهَا صَعَدَا
لَمَّا رَأتْ لَمَحَة مِنِّي مُرَعَّثَة ً … خُضْراً وَحُمْراً وَصُفْراً بَيْنَهَا جُدَدَا
قَالَتْ لِتِرْبٍ لَهَا كَانَتْ مُوَطَّنَة ً … جَاء الْمُرعَّثُ فَاثْنِي عِنْدَكِ الْوُسُدَا
وأحسني حين تلقيه تحيتهُ … وَلا تَكُونِي إِذَا حَدَّثْتِنَا وَتِدَا
خفِّي قريباً وعودي إن حاجتنا … دُونَ الْقَرِيبَة ِ فِي قَلْبَيْنِ قَدْ كَمِدَا
طال التَّنائي فكلّ غير متركٍ … حَتَّى تَرَيْ عَاتِباً مِنَّا وَمُصْطَرِدَا
حَتَّى الْتَقَيْنَا فَمِنْ شَكْوَى وَمَعْتَبَة ٍ … تَكُرُّهَا لا نَخَافُ الْعَيْنَ وَالرَّصَدَا
غَابَ الْقَذَى فَشَرِبْنَا صَفْوَ لَيْلَتِنَا … حبَّينِ نلهو ونخشى الواحد الصَّمدا
قَالَتْ: فَأنَّى ـ بِنَفْسِي ـ جِئْتُ مُسْتَرِقاً … من العدوِّ تخطَّى الوعر والجددا
جورٌ أتى بك أم قصدٌ فقلتُ لها: … مَا زِلْتُ أقْصِدُ لَوْ تُدْنِينَ مَنْ قَصَدَا
لاَ تَعْجَبِي لاجْتِيَابِي اللَّيْلَ مُنْسرِقاً … مَا كُنْتُ قَبْلَكِ رِعْدِيداً وَلاَ بَلِدَا
يَا رُبَّ قَائِلَة ٍ يَوْماً لِجَارَتِهَا … إِنَّ الْمُرَعثَّ هَمِّي غَابَ أوْ شَهِدَا
صددتُ عنها فلم أدمن زيارتها … إِلَى هَوَاكِ فَلَمْ تَجْزِي بِهِ صَفَدَا
لما قضينا حديثاً من معاتبة ٍ … وَكَادَ يَبْرُدُ هَذَا الشَّرُّ أوْ بَرَدَا
جَاءَتْ بِأزْهَرَ لَمْ تُنْسَجْ عِمَامَتُهُ … إذا الزُّجاجة كادت كأسه سجدا
ريان كالريم خدَّاه ومذبحهُ … إِنْ لَمْ يُرَعْ بِسُجُودٍ سَامِراً رَكَدَا
نلهو إليه ونشكو بثَّ أنفسنا … في سلوة وزوال الَّليل قد أفدا
حَتَّى إِذَ طَارِقٌ ثَارَتْ عَدَاوَتهُ … بِأَوَّلِ الصُّبْحِ كَانَتْ صَالِحا فَسَدَا
قَامَتْ تَهَادَى إِلَى أهْلٍ تُرَاقِبُهُمْ … مشي البهير ترى في مشيه أودا
وَالْعَيْنُ تُحْدِرُ دَمْعاً جِدَّ وَاكِفَة ٍ … عَلَى مَسَاقِطِ دَمْعٍ كَانَ قَدْ جَمَدَا
كَأنَّهُ لُؤْلُؤٌ رَثَّتْ مَعَاقِدُهُ … فانساب أوله في السِّلك فاطَّردا
وَقُمْتُ لَمْ أقْضِ مِنْهَا إِذْ خَلَوْتُ بِهَا … إِلاَّ الْحَدِيثَ وَإِلاَّ أنْ أمَسَّ يَدَا
حَتَّى خَرَجْتُ فَكَانَ الدَّهْرُ مُنْدَحِلاً … بَيْنَ الْقَرِينَيْنِ حَلاَّلاً لِمَا عُقِدَا