بحكم العدل من قاضي السماء … حباك بحق أحكام القضاء
وراثة مورث الأبناء مما … تحلى من تراث الأنبياء
أب وفاك ميراث المساعي … كما وفيته عهدا لوفاء
تهدى فارتدى حلما وعلما … فلم تسبق إلى ذاك الرداء
لتلبسه فإفضال وفضل … وتنشره بهدي واهتداء
نماك وقد بنى دينا ودنيا … لتخلفه على ذاك البناء
وشيده بإخلاص الأماني … وأسسه بمقبول الدعاء
عليما أن أرفع ما بناه … بناء أسه لك في السماء
وأزكى من زكا صدقا وعدلا … زكي حاز ميراث الزكاء
فما زك ذو الجلال بعلم غيب … وفرك ذو الرياسة عن ذكاء
مليك كلما بلغ انتهاء … من العليا أهل إلى ابتداء
فسودده كجود يديه جار … من الدنيا إلى غير انتهاء
تجلى في بهاء ندى وعدل … ومد عليك من ذاك البهاء
رجاء فيك صدق كي يجازى … كما استدعاك تصديق الرجاء
وجزلا من عطاء الله أعدى … يديك به جزيلات العطاء
لتصرف دعوة المظلوم عنه … كما صرف السوام إلى الرعاء
وترعى موقف الملهوف عنه … يلبي نفسه قبل النداء
وتبسط منك للغرباء وجها … يجلي عنهم كرب الجلاء
فتبلي فيهم سير ابن يحيى … كما أبلاك محمود البلاء
فأعطى القوس باريها وشدت … عراقي الدلو في كرب الرشاء
ورد الروح في جسم المعالي … ولاح النجم في أفق السماء
وجرد للهدى سيف صقيل … محلى بالمحامد والثناء
فولى النكر مهزوم النواحي … وجاء العرف منشور اللواء
وغار الظلم في ظلم الدياجي … ولاح العدل في حلل الضياء
بيمن ألبس الأيام نورا … يديل من الشدائد بالرخاء
وأحكاما بثثن العدل حتى … تقاسمها الأباعد بالسواء
وأخلاقا خلقن من التمني … فلاقت كل هم بالشفاء
فهن الماء في صفو ولين … وسوغ وهي نار في الذكاء
فما بالنفس عنها من تناه … ولا بالسر عنها من خفاء
فكم جليت من نظر جلي … قرأت به أساطير الدهاء
وكم أوريت من زند ثقوب … أراك سراجه عيب الرياء
وكم أحييت من ناء غريب … فقيد الأهل منبت الإخاء
وكم نفست كربة مستكن … تأخر عنه نصر الأولياء
وكم جليت من خطب جليل … وكم داويت من داء عياء
ولا كبني سبيل شردتهم … عن الأوطان قاضية القضاء
عواصف فتنة غمت بغيم … بوارقه سيوف الإعتداء
فأصقعهم براعدة المنايا … وأمطرهم شآبيب الفناء
وطاف عليهم طوفان روع … أفاض بهم إلى القفر الفضاء
سهام نوى إلى بر وبحر … وأغراض لنشاب البلاء
سروا فشروا بأفياء ضواف … فيافي لا يقين من الضحاء
وحمر الموت من خضر المغاني … وسود البيد من بيض الملاء
ومن كلل الستور كلال خوص … وعدنهم النجاة على النجاء
وقد جدعت أنوف العز منهم … خطوب سمنهم أنف الإباء
وألبسهم ثياب الذل خطب … يليهم في ثياب الكبرياء
وألحقهم بلج البحر سيل … يمد مدوده فيض الدماء
فوشكا ما هوى بهم هواء … تألفهم بأفئدة هواء
وحال الموج دون بني سبيل … يطير بهم إلى الغول ابن ماء
أغر له جناح من صباح … يرفرف فوق جنح من مساء
يذكرهم زفيف الريح فيه … تناوحها بربعهم الخلاء
ومحو الماء ما يختط فيه … ديارا خلفوها للعفاء
وصك الموج فيها كل وجه … وجوها ساورتهم بالجفاء
وعدمهم صفاء الماء منه … بعدمهم لإخوان الصفاء
بحيث تبدلوا باللهو هولا … ورحب الماء من رحب الفناء
ومن قصف وراح قصف ريح … ومن لعب الهوى لعب الهواء
كأن البر والبحر استطارا … تجارا همهم بعد الثناء
يبيعون الرغائب بيع بخس … ويشرون المصائب بالغلاء
ولكن البضائع من هموم … علت بالربح فيهم والنماء
فكم طلبوا الأماني بالأماني … وكم باعوا السعادة بالشقاء
وكم فاضت مدامعهم فمدت … عباب البحر بالماء الرواء
وقد وفدت جوانحهم بشجو … ينادي الشمس حي على الصلاء
وكم خاضوا كهمهم بحورا … وكم عدموا الثرى عدم الثراء
وجاء الموت مقتضيا نفوسا … لوت بقضائهن يد القضاء
وما رد الردى عنها حنانا … ولكن مطل داء بالدواء
فلأيا ما أهل بهم بشير … إلى أرض تخيل في سماء
ولأيا ما تجافى اليم عنهم … تجافيه عن الزبد الجفاء
ويا عجب الليالي أي بحر … تغلغل بين أثناء الغثاء
ومن يسمع بأن نجوم ليل … هوت مع بدرها فهم أولاء
وأخطأ سيرهم أفق ابن يحيى … ليخطئ علمهم بالكيمياء
وكم سرت الرفاق بلا دليل … إليه والمطي بلا حداء
وكم وقيت ركاب يممته … سهام النائبات بلا وقاء
فما شربوا مياه الأرض حتى … تركن وجوههم من غير ماء
ولا نشقوا حياة العيش إلا … وقد خلعوا جلابيب الحياء
ولا جابوا إليه القفر حتى … تجاوبت الحمائم بالبكاء
ولا دل الزمان عليه حتى … حسبت عداي قد ماتوا بدائي
ولا ألقوا عصا التسيار حتى … عفت حلق البطان من اللقاء
ولا بلغوا مناخ العيس إلا … وفي الحلقوم بالغة الذماء
وفي رب العباد عزاء عز … لذل غاله عز العزاء
وفي المنصور مأوى وانتصار … لمنبوذ الوسائل بالعراء
وفي قاضي القضاة قضاء حق … لمن يرعاهم راعي الرعاء
أبو الحكم الذي ألقت يداه … إليك الحكم في دان وناء
وإنك منه في عدل وفضل … على أمد البعاد أو الثواء
مكان الفجر أشرق من ذكاء … تألقه وأعرب عن ذكاء
وإن يك قدوة الكرماء جودا … فإنك بالمكارم ذو اقتداء
وإن أحب ما تقضي إليه … لمن آواهم حكم الحباء
وأنت بسمع رأفته سميع … لهم وبعينه في العطف راء
فإن لحظوك من طرف خفي … فقد نادوك من برح الخفاء
لدين لا يدين به لنبع … وأغصان مشذبة اللحاء
ودينهم على الإسلام أولى … ومال الله أوسع للأداء
هو الحق الذي جاءتك فيه … شهود العدل من رب السماء
وما في لحظ طرفك من نبو … ولا في نور رأيك من هباء
فهل ببراءة والحشر ريب … يبين بالنفار أو الجلاء
وإن تزدد فثانية المثاني … وإن تزدد فرابعة النساء
وهل بعد الأسارى والسبايا … مكان للفكاك أو الفداء
وقد قالوا افتقار أو إسار … كما قالوا الجلاء من السباء
وهل بالبحر من ظمإ فيروى … صداه بغير أكباد ظماء
وما في وعد رب العرش خلف … بما للمحسنين من الجزاء
ومن يرغب بقاء العدل يسأل … لك الرحمن طولا في البقاء
وأية حرة من حر نظمي … تجلت للخلائق في جلاء
هدية واصل وهدي كفء … إلى كفء الهدايا والهداء
متوجة بتاج من ودادي … مقلدة بدر من ثنائي
. . . . . . . . . . . . … . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . … . . . . . . . . . .