المشرقانِ عليكَ ينتحبان … قاصيهُما في مأْتَمٍ والداني
يا خادمَ الإسلامِ، أجرُ مجاهدٍ … في الله من خُلْدٍ ومِنْ رِضْوان
لمّا نعيتَ إلى الحجاز مشى الأسى … في الزائرينَ وروِّع الحرمان
السكة ُ الكبرى حيالَ رباهما … مَنكوسة ُ الأَعلامِ والقُضْبان
لم تَأْلُها عندَ الشدائدِ خِدمة ً … في الله والمختار والسلطان
يا ليتَ مكة َ والمدينة َ فازتا … في المحفِلَيْن بصوتِكَ الرَّنَّان
ليرى الأَواخرُ يومَ ذاكَ ويسمعوا … ما غابَ من قسٍّ ومن سحبان
جارَ التراب وأنتَ أكرمُ راحل … ماذا لقيتَ من الوجود الفاني؟
أَبكِي صِباكَ؛ ولا أُعاتبُ من جَنى … هذا عليه كرامة ً للجاني
يتساءلون: أبـ السلالِ قضيت، أم … بالقلبِ، أَم هل مُتَّ بالسَّرَطان؟
الله يَشهد أَنّ موتَك بالحِجا … والجدِّ والإقدامِ والعِرفان
إن كان للأخلاق ركنٌ قائمٌ … في هذه الدنيا، فأنت الباني
بالله فَتِّشْ عن فؤادِك في الثّرى … هل فيه آمالٌ وفيه أماني؟
وجدانك الحيُّ المقيمُ على المدى … ولرُبَّ حَيٍّ مَيِّتُ الوجْدان
الناسُ جارٍ في الحياة ِ لغاية ٍ … ومضللٌ يجري بغير عنان
والخُلْدُ في الدنيا ـ وليس بهيِّنٍ ـ … عُليا المرَاتبِ لم تُتَحْ لجبان
فلو أن رسلَ اللهِ قد جبنوا لما … ماتوا على دينٍ من الأَديان
المجدُ والشَّرفُ الرفيعُ صحيفة ٌ … جعلتْ لها الأخلاقُ كالعنوان
وأحبُّ من طولِ الحياة ِ بذلة ٍ … قصرٌ يريكَ تقاصرَ الأقران
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له: … إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها … فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
للمرءِ في الدنيا وجَمِّ شؤونها … ما شاءَ منْ ريحٍ ومنْ خسران
فَهي الفضاءُ لراغبٍ مُتطلِّعٍ … وهي المَضِيقُ لِمُؤثِرِ السُّلْوان
الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ … يَشْقى له الرُّحَماءُ وهْوَ الهاني
ومنعَّمٌ لم يلقَ إلا لذة ً … في طيِّها شجَنٌ من الأَشجان
فاصبر على نُعْمى الحياة ِ وبُؤسِها … نعمى الحياة ِ وبؤسها سيَّان
يا طاهرَ الغدواتِ، والروحاتِ، والـ … ـخطراتِ، والإسْرارِ، والإعْلان
هل قامَ قبلكَ في المدائن فاتحٌ … غازٍ بغيرٍ مُهنّدٍ وسِنان؟
يدعو إلى العلم الشريفِ، وعنده … أَن العلومَ دعائمُ العُمران؟
لفُّوكَ في علم البلادِ منكَّساً … جزع الهلال على فتى الفتيان
ما احمرَّ من خجلٍ، ولا من ريبة ٍ … لكنَّما يبكي بدمع قاني
يُزْجُون نَعشك في السَّناءِ وفي السَّنا … فكأَنما في نِعشكَ القمران
وكأَنه نعشُ الحُسينِ بكرْبَلا … يختالُ بين بُكاً، وبينَ حَنان
في ذِمَّة ِ الله الكريمِ وبِرِّهِ … ما ضمَّ من عرفٍ ومن إحسان
ومشى جلالُ الموتِ وهو حقيقة ٌ … وجلالك المصدوقُ يلتقيان
شَقَّتْ لِمَنظرِك الجيوبَ عقائلٌ … وبكتكَ بالدمعِ الهتونِ غواني
والخلقُ حولَكَ خاشعون كعهدِهم … إذ يُنصِتُون لخطبة ٍ وبَيان
يتساءلون: بأيٍّ قلبٍ ترتقى … بَعْدُ المنابرُ، أَم بأَيِّ لسان؟
لو أَنّ أَوطاناً تُصوَّرُ هَيْكلاً … دفنوكَ بين جوانحِ الأوطان
أو كان يحمل في الجوارح ميتٌ … حملوك في الأَسماع والأَجفان
أو صيغَ من غرِّ الفضائلِ والعلا … كفنٌ لَبِستَ أَحاسنَ الأَكفان
أَو كان للذكر الحكيم بقية ٌ … لم تَأْتِ بعدُ؛ رُثِيتَ في القرآن
ولقد نظرتك والردى بك محدقٌ … والداءُ ملءُ معالمِ الجثمان
يَبْغِي ويطْغَى ، والطبيب مُضلَّلٌ … قنطٌ، وساعاتُ الرحيل دواني
ونواظرُ العُوّادِ عنكَ أَمالَها … دمعٌ تُعالِج كتْمَهُ وتُعاني
تُمْلِي وتَكتُبُ والمشاغِل جَمَّة ٌ … ويداك في القرطاسِ ترتجفان
فهششتَ لي، حتى كأنك عائدي … وأَنا الذي هَدَّ السَّقامُ كِياني
ورأيتُ كيف تموتُ آسادُ الشَّرى … وعرفتُ كيف مصارعُ الشجعان
ووَجَدْتُ في ذاك الخيالِ عزائماً … ما للمنونِ بدكهنَّ يدان
وجعلتَ تسألني الرثاءَ، فهاكه … من أدمعي وسرائري وجناني
لولا مُغالبة ُ الشُّجونِ لخاطري … لنظمتُ فيكَ يَتيمة َ الأَزمان
وأَنا الذي أَرثِي الشموسَ إذا هَوَتْ … فتعودُ سيرتها إلى الدوران
قد كنتَ تهتفُ في الورى بقصائدي … وتجلُّ فوق النيراتِ مكاني
مَاذَا دَهانِي يومَ بِنْتَ فَعَقَّني … فيكَ القريضُ، وخانني إمكاني؟
هوِّنْ عليكَ، فلا شماتَ بميِّتٍ … إنّ المنيَّة غاية ُ الإنسان
مَنْ للحسودِ بميْتة ٍ بُلِّغْتَها … عزتْ على كسرى أنوشروان؟
عُوفِيتَ من حَرَبِ الحياة ِ وحَرْبِها … فهل استرحْت أَم استراح الشاني؟
يا صَبَّ مِصْرَ، ويا شهيدَ غرامِها … هذا ثرى مصرٍ، فنمْ بأمان
اخلَعْ على مصرٍ شبابَك عالياً … وکلبِسْ شَبابَ الحُورِ والوِلْدان
فلعلَّ مصراً من شبابِكَ تَرتدِي … مجداً تتيهُ به على البلدان
فلوَ أنّ بالهرمينِ من عزماته … بعضَ المَضَاءِ تحرّك الهَرمان
علَّمْتَ شُبانَ المدائنِ والقُرى … كيف الحياة ُ تكونُ في الشبان
… قبرٌ أَبرُّ على عظامِك حاني
أقسمتُ أنك في الترابِ طهارة ٌ … ملكٌ يهابُ سؤاله الملكان