اخترتَ يومَ الهولِ يومَ وداعِ … ونعاكَ في عَصْفِ الرياحِ الناعي
هتف النُّعاة ُ ضُحى ً، فأَوْصَدَ دونهم … جُرحُ الرئيسِ منافذَ الأَسماعِ
منْ ماتَ في فزعِ القيامة ِ لم يجدْ … قدماً تشيِّع أو حفاوة ساعي
ما ضرَّ لو صبَرتْ ركابُك ساعة ً … كيف الوقوفُ إذا أهاب الداعي ؟
خلِّ الجنئزَ عنك ، لا تحفل بها … ليس الغرورُ لميِّتٍ بمتاع
سِرْ في لواءِ العبقريّة ِ، وانتظِمْ … شتَّى المواكب فيهِ والأَتباع
واصعد سماءَ الذكر من أَسبابها … واظهر بفضلٍ كالنهار مُذاع
فجعَ البيانُ وأهلهُ بمنصوِّر … لَبِقٍ بوشْيِ الممتِعاتِ صَناع
مَرموقِ أَسبابِ الشبابِ وإن بَدَتْ … للشيب في الفَودِ الأَحَمِّ رَواعي
تتخيلُ المنظومَ في منثوره … فتراهُ تحت روائِع الأَسجاع
لم يَجْحَدِ الفُصحَى ، ولم يَهجُم على … أسلوبها ، أو يزرِ بالأوضاع
لكنْ جرى والعصرَ في مضارها … شوطاً ، فأحرز غاية َ الإبداع
حرُّ البيانِ ، قديمُه وجديدُه … كالشمسِ جدّة َ رُقعة ٍ وشُعاعِ
يونانُ لو بيعت بهوميرٍ لما … خسرتْ لعمركَ صفقة المبتاع
يامرسلَ النظراتِ في الدنيا وما … فيها على ضجرٍ وضيقٍ ذراع
ومُرَقْرِقَ العبراتِ تجري رِقَّة ً … للعالم الباكي من الأوجاع
مَنْ ضَاقَ بالدنيا فليس حكيمَها … إتّ الحكيمَ بها رحيبُ الباع
هيَ والزمانُ بأرضهِ وسمائهِ … في لجَّة ِ الأقدارِ نضو شراع
مَنْ شَذَّ ناداه إليه فردَّهُ … قَدَرٌ كراعٍ سائقٍ بقطاع
ما خلفهُ إلا مقودٌ طائعٌ … متلفِّت عن كبرياءِ مطاع
جبارُ ذهنٍ ، أو شديدُ شكيمة ٍ … يمضي مضيَّ العاجزِ المنصاع
من شوة َ الدنيا إليك فلم تجدْ … في الملكِ غيرَ معذبين جياع ؟
أَبكل عينٍ فيه أَو وَجْهٍ ترى … لمحاتِ دمعٍ أَو رسومَ دِماع؟
ما هكذا الدنيا، ولكنْ نُقْلة ٌ … دمعُ القَريرِ وعَبْرَة ُ المُلتاع
لا الفقرُ بالعبراتِ خصَّ ولا الغنى … غِيَرُ الحياة ِ لهنّ حُكْمُ مشاع
مازالَ في الكوخِ الوضيعِ بواعثٌ … منها، وفي القصرِ الرفيعِ دَواعِي
في القفرِ حيَّاتٌ يسيِّبها به … حاوي القضاءِ ، وفي الرياضِ أفاعي
ولَرُبَّ بُؤْسٍ في الحياة ِ مُقنَّعٍ … أربى على بؤسٍ بغير قناع
يا مصتطفى البلغاءِ ، أيّ يراعة ٍ … فقدوا ؟ وأيّ معلمٍ بيراع ؟
اليومَ أَبصرتَ الحياة َ؛ فقلْ لنا … : ماذا وراءَ سرابها اللماع ؟
وصِفِ المنونَ؛ فكم قعدْتَ ترى لها … شبحاً بكلِّ قراوة ويفع
سكن الأحبّة ُ والعدى ، وفرغتَ منْ … حِقْدِ الخُصوم، ومِنْ هوى الأَشياع
كم غارة ٍ شَنُّوا عليكَ دفعْتَها … تصِلُ الجهودَ فكُنَّ خيرَ دِفاع
والجهدُ موتٍ في الحياة ِ ثماره … والجهدُ بعدَ الموتِ غيرُ مضاع
فإذا مضى الجيلُ المرضُ صدوره … وأتى السليمُ جوانبَ الأضلاع
فافزع إلى الزمن الحكيم؛ فعنده … نقدٌ تنَّزهَ عن هوى ونزاع
فإذا قضى لك أبتَ من شمِّ العلا … بثَنِيَّة ٍ بَعدَت على الطَّلاع
وأجلُّ ما فوقَ الترابِ وتحته … قلمٌ عليه جلالة ُ الإجماع
تلك الأناملُ نام عنهنّ البلى … عطِّلنَ من قلم أشمَّ شجاع
والجبنُ في قلم البليغِ نظيرهُ … في السيف مَنْقَصَة ٌ وسوءُ سماع