إذا أنا لم أوثر هواي على عزمي … فنفسي في طوعي وأمري في حكم
وإن أنا أرجأت الأمور إلى غد … طعنت بغرب الفخر في ثغرة الحزم
وإن أحق الناس باللوم لامرؤ … يضل طريق الرشد وهو على علم
كتمت اشتياقي والنحول ينم بي … كأني أحلت الكتم مني على جسم
وقلت لجفني إن دعيت لعبرة … فساعد بها مطل الغني من الظلم
ولم لا وقد حل الركاب بيثرب … وبؤت بشحط الدار منها على رغم
تدامر أقوام إليها وضمروا … مخيسة تهوي بأجنحة العزم
وقام خضم الماء دون مرامهم … فلم يحفلوا منه بصول ولا لطم
إذا النفس أبدت فيه صنا بجسمه … تقول لها الأشواق ألقه في أليم
فما كان إلا أن أتوا معهد الهوى … وشيكا كما أغفيت في سنة الحلم
وفازوا بما حازوا كراما فإنما … زيارة خير الخلق من أعظم الغنم
كأني بقومي حين حلوا حلالها … وأعينهم إذ ذاك أجفانهم تهم
يكبون للأذقان في عرصاتها … سلاما وتقبيلا على ذلك الرسم
فيعفى عن الأوزار في ذلك الحمى … وتغتفر الأثام في ذلك اللثم
فلله در القوم فيها وقد غدوا … ضيوفا بمثوى سيد العرب والعجم
أقام لهم حيا أمانا من الردى … وقام مقام الغيث في شدة الأزم
وحلوا به ميتا فكان قراهم … خفاوة ذي روح ومأمن ذي جرم
رسول أتى حكم الكتاب بمدحه … وأثنى عليه الله بالصدق والحلم
أحب من المحيا وأجدى من الحيا … وأهدى لمن ضل السبيل من النجم
قريع صميم المجد في آل هاشم … أولي القسمات الغر والأنف الشم
أتى رحمة والناس في مدلهمة … يروحون في غي ويغدون في إثم
فصدق من قادته سابقه الهدى … وساعده الأسعاد في سالف الحكم
وصد عن الآيات من سبقت له … شقاوته في سابق القدر الحتم
وأعجز من أعمى الضلال يقينه … عمى قد تحدى من معاقره العقم
فروى لهام الجيش منه بأنمل … جرى الماء في أثنائها سائغ الطعم
ولما دعا بالبدر شق لحينه … وأقبل منه الشق يهوي إلى الكم
وكلمه ضب الفبلاة مخاطبا … ومستفهما في القول تكليم ذي فهم
وخاطبه الصخر الجماد محدثا … وحذره ما في الذراع من السم
وفي الختم منه للنبيئين آية … رأينا بها معنى البداية في الختم
سرى نوره في أوجه نبوية … مقدسة ينميه أكرم من ينم
ولم تشك ثقل الحمل آمنة الرضا … ولا دهيت منه بكرب ولا غم
وفي ليلة الميلاد منه بدت لها … شواهد لم تخطر لنفس ولا على وهم
وبشرها الأملاك أن وليدها … إمام النبيئين الكرام أولي العزم
إلى أن فرى الليل عن نور وجهه … كما شف سحب عن سنا قمر تم
فخرت له الأصنام صرعى وزلزلت … بمكتها أجرام أجبالها الشم
فرام استراق السمع رائد غائب … من الجن فانقضت له شهب الرجم
وإيوان كسرى أسرعت شرفاته … وقد عاينت ما عاينته إلى الهدم
وأخبر شق أن في الأرض عندها … طلوع نبي طاهر الأب والأم
رسول من الرحمن يدعو إلى الهدى … ويدعو إلى دار السلامة والسلم
فلله منها ليلة بركاتها … سحائبها تنهل بالنعم العم
أشاد أمير المسلمين بذكرها … فأحيا سبيلا دارسا لأولي العلم
وآثر تقوى الله منها فلم يكن … بمشتغل عنها بزور ولا فم
تقي حذا حذو الخلائف واقتدى … بهم مثل ما خط الكتاب على الرسم
إذا هم أمضى عزمه وإذا سطا … فلا عدة تغني ولا عدة تحم
وإن جد يوما لم يبت دون غاية … وإن جاد ما ذو العطر يوما بمهتم
وإن طلب الصعب الممنع ناله … بمدركة الأقصى ومنزلة العصم
إذا ما دجى روع فغرة يوسف … تضيء بها الآفاق في الجادة الجهم
وإن زمن يوما عرته زمانة … فراحته برء الزمان من السقم
فيا ناصر الإسلام دم في حلى العلا … وجارك في أمن وقطرك في سلم
ولا برحت آثارك الغر تكتسي … بدائع مما صاغ في وصفها نظم
وإني بنعماك التي ملأت يدي … فأصبحت من إحسانها وافر القسم
لأخلق من جفني المسهد بالكرى … وأليق بالسر المصون من الكتم