أيا وَيحَهُ ما ذَنبُهُ إنْ تذكّرَا … سوالفَ أيامٍ سبقنَ وأخرا
وسكرَة َ عيَشٍ فارغٍ من هُمومِه، … و معروفَ حالٍ لم نخفْ أن ينكرا
وعصرَ شَبابٍ كانَ مَيعَة َ حُسنِه، … وظِلاًّ من الدّنيا علَيهِ مُنَشَّرَا
إذا كنا لا يرددنَ ما فاتَ من هوى ، … فلا تدعِ المخزونَ أن يتصبرا
و قالوا : كبرتَ فانتضيتَ من الصبا ، … فقلتُ لهم: ما عشتُ إلاّ لأكبَرَا
إذا لاحَ شَيبُ الرّأسِ يوماً ولَيلَة ً، … فما أجدرَ الإنسانَ أن يتغيرا
ولَبثي وإخلافي أُناساً فَقِدتُهُم، … و ما كنتُ أرجو بعدهم أن أعمرا
هُمُ طرَدوا عن مُقلتي رائدَ الكَرى ، … و شكوا سوادَ القلبِ حتى تفطرا
و أجلوا همومي من سواهم وأطبقوا … جفوني فما أهوَى من العيشِ مَنظرَا
وأصبَحتُ مُعتَلَّ الحَياة ِ كأنّني … أسِيرٌ رأى وَجهَ الأميرِ، ففَكّرَا
فإما تريني بالذي قد نكرته ، … فيا رُبّ يومٍ لم أكنْ فيه مُنكَرَا
أروحُ كغصنِ البانِ بيتهُ الندى ، … و هزّ بأنفاسٍ ضعافٍ وأمطرا
فمالَ على ميثاءَ ناعمة ِ الثرى ، … تغلغلَ فيها ماؤها وتحيرا
كأنّ الصَّبا تُهدي إلَيها إذا جرَتْ … على تُربِها، مِسكاً سَحيقاً وعَنبرَا
سقتهُ الغوادي والسواري قطارها ، … فجنّ كما شاءَ النباتُ ونورا
و حلتْ عليهِ ليلة ٌ أرحبية ٌ ، … غذا ما صفا فيها الغديرُ تكدرا
كأنّ الغواني بينَ بينَ رياضهِ ، … فغادرنَ فيهِ نشرَ وردٍ وعبهرا
طويلة َ ما بين البياضينِ ، لم يكدْ … يُصَدَّقُ فيها فجرُها حينَ بَشّرَا
إذا ما ألحتْ قشرَ الصخرَ وبلها ، … و همتْ غصونُ النبعِ أن تتكسرا
فباتتْ إذا ما البرقُ أوقدَ وسطَها … حَريقاً أهَلّ الرّعدُ فيهِ وكَبّرَا
كأنّ الربابَ الجونَ دونَ سحابهِ … خليعٌ من الفِتيانِ يَسحبُ مِئزَرَا
إذا لحقَتهُ رَوعَة ٌ من وَرائِهِ … تَلَفّتَ واستَلّ الحُسامَ المُذكَّرَا
فأصبحَ مستورَ الترابِ كأنما … نشرتَ عليهِ وشيَ بردٍ محبرا
به كلُّ موشيّ القوائمِ ناشطٌ ، … و عينٌ تراعي فاترَ اللحظِ أحورا
تُطيفُ بذَيّالٍ كأنّ صُوارَهُ … غدائرُ ذي تاجٍ عتا وتجبرا
يحكُّ الغصونَ المورقاتِ بروقه … كخصفك بالإشفى نعالاً فخصرا
وذي عُنُقٍ مثلِ العصا شُقّ رأسها … وشُذّبَ عَنها جِلدُها فتَقَشّرَا
و ساقٍ كشطرِ الرمحِ صمّ كعوبه … تردى على ما فوقها وتأزرا
فبادرتهُ قبلَ الصباح بسابحٍ … جوادٍ ، كما شاءَ الحسودُ وأكثرا
إذا ما بدا أبصرتَ غرة َ وجهه … كعُنقودِ كَرمٍ بَينَ غُصنَينِ نوّرَا
و سالفتي ظبي من الوحشِ سانحٍ ، … غذا ما عراهُ خوفُ شيءٍ تبصرا
وَرِدْفاً كظَهرِ التُّرسِ أُسبِلَ خَلفَه … عَسيبٌ كفَيضِ الطَّودِ لمّا تحدّرَا
وأرسَلتُهُ مُستَطعِماً لعِنانِهِ، … أخا ثقة ٍ ما أنتَ إلاّ مبشرا
و همٌّ أتتني طارقاتُ ضيوفهِ … فما كانَ إلاّ اليعملاتِ له قرى
بوَحشيّة ٍ قَفرٍ تَخالُ سَرابَها … مهاً لامعاتٍ ، أو ملاءً منشرا
فلما تبدى الليلُ يحدو بنجمهِ ، … لبسنا ظلاماً لم يكدْ صبحهُ يرى
و طافَ الكرى بالقومِ حتى كأنهم … نشاوى شرابٍ دبّ فيهم وأسكرا
فمن كلّ هذا قد قضيتُ لبانتي ، … و ولى ، فلم أملكْ أسى ، وتذكرا
ويومٍ من الجَوزاءِ أصلَيتُ نارَه، … وقد سترَ الكنّاسُ إذ بانَ مُشترَى
وقد أكلَتْ شمسُ النّهارِ ظِلالَهُ، … وصارَتْ كحِرباءِ الهواجرِ معفَرَا
و كم من عدوٍ رامَ قصفَ قناتنا ، … فلاقَى بنا يوماً من الشرّ أحمَرَا
إذا أنتَ لم تَركَبْ أدانيَ حادِثٍ … من الأمرِ لاقَيتَ الأقاصيَ أوعَرَا