أهاج الجوى برقاً أغارَ وأنجدا … أرقت عليه الدمع مثنى ً وموحدا
وبت وفي قلبي لهيبٌ كنارهِ … تضرّمَ في جنح الدجى وتوقّدا
تذود الكرى عن مقلتي عبراتها … فتشرق فيها العين والقلب في صدى
فكيف وكم لي زفرة بعد زفرة … تصيّر مني فضة الدمع عسجدا
أحاول من سلمى زيارة طيفها … وأنى يزور الطيف جفناً مسهدا
وما أطولَ الليلَ الذي لم تصل به … كأنْ جعلت ليل المتيم سرمدا
إلامَ أداري لوعتي غير صابر … وتمنعني يا وجدُ أنْ أتجلدا
أما آن للنار الّتي في جوانحي … من الوجد يوماً أن تَقَرَّ وتخمدا
ولو كان غير الوجد يقدح زنده … بأحشاي من تذكار ظمياء أصلدا
وما هو إلاّ من سنا بارق بدا … أقام له هذا الفؤاد وأقعدا
يذكرني تبسام سُعدى فلم أجد … على الوجد إلاّ مدمع العين مسعدا
وأيامنا الّلاتي مَرَرْنَ حوالياً … بعقد اجتماع الشمل حتى تبددا
وللَّه هاتيك المواقيت إنّها … مضت طرباً فالعمر من بعدها سدى
وردنا بها ماءَ المودّة صافياً … وكنّا رعينا العيش إذ ذاك ارغدا
شربنا نمير الماء عن ثغر العس … غداة اجتنينا الورد من خدّ أغيدا
وما كان عهدُ الخَيف إلاّ صباية ً … فيا جاده عهد المواطر بالجدا
وصبّت عليه الغاديات ذنوبها … وأبرق فيها حيث شاء وأرعدا
وساق إلى تلك المنازل باللوى … من المزن ما ليست تميل إلى الحدا
تجعجع مثل الفحل هاج وكلّما … أُرِيع بضرب السَّوْط أرغى وأزبدا
فحيّى رسوم الدار وهي دوارس … إلى أن تراها العين مخضلّة الندى
على الدار أنْ تستوقف الركب ساعة … بها وعلى الأحزان أن تتجددا
وليل كأنّ الشهب في أخرياته … تمزق جلباباً من الليل أسودا
أنال وأولاك الجميل وأرفدا … تذرّ به مقلة النجم إثمدا
هصرت به غضباً من البان يانعاً … وقلت لذات الخال روحي لك الفدا
يلين إلى حلو الشمائل جانبي … على أنّني ما زلت في الخطب جلمدا
تقلد أجياد الكرام قلائدي … وتكسو لئيم القوم خزياً مؤبدا
وإنّي متى ما شئت أن أنل الغنى … وأبلغ آمالي مدحت محمدا
فتى من قيش لم تجد ما يسره … سوى أنْ تراه باسطاً للندى يدا
تودّد بالحسنى إلى كلِّ آمل … وشأن كرمِ النفس أن يتودّدا
إذا جئته مسترفداً نيل بره … أنال وأولادك الجميل وأرفدا
فلو أنّني خيرّت بالجود موردا … لما اخترت إلاّ جود كفَّيْه موردا
وما كان قطر المزن يوماً على الظما … بأمرا نميراً من نداه وأبردا
وما زال يسعى سعي آبائه الألى … مفاتيح للجدوى مصابيح للهدى
فأضحى بحمد الله لمّا اقتدى بهم … لمن شمل الدين الحنيفي مقتدى
وما كان إلاّ مثل ماصار بعدما … وما ضرَّ قدرَ العضب إنْ كان مُغْمَدا
وهب أنَّ هذا البدر يحيكه بالسنا … فمن أين يحكيه نجاراً ومحتِدا
تنقّل في أوج المعالي منازلاً … وشاهد في كلٍّ من الأمر مشهدا
فما اختار إلاّ منزل العزّ منزلاً … ولا اختار إلاّ مقعد المجد مقعدا
له الله مسعود الجناب مؤيداً … زجرت إليه طائر اليمن أسعدا
يساعدني فيما أروم بلوغه … إذا لم يكن لي ساعد الدهر مسعدا
وجرّدت منه المشرفيَّ ولم يزل … على عاتق الأيام عضباً مجرداً
فتى هاشم قد ساجد بالجود والندى … فيا سيّداً لا زال بالفضل سيّدا
لك الهمة العلياء في كلِّ مطلب … فلو كنت سيفاً كنت سيفاً مهنّدا
أبى اللَّه إلاّ أنْ تُسرَّ بك العلى … وتحظى بها حتى تغيظ بها العدى
بلغت الأماني عارفاً بحقوقها … فأرغمت آنافاً وأكبتَّ حسُدَّا
وصيّرتني بالرقّ فيما أنلتني … وقد تصبح الأحرار بالفضل أعبدا
فما راح من والاك إلاّ منعّماً … ولا عاش من عاداك إلاّ منكدا
وهذا لساني مطلق لك بالثنا … عليك وفي نعماك أمسى مقيدا
يصوغ لك المدح الذي طاب نشره … يخلّد فيك الذكر فيمن تخلّدا
فمن ثمَّ أقلامي إذا ما ذكرتها … تخرّ له في صفحة الطرس سجدا
مناقب إحسانٍ حسانٌ ضوامنٌ … لعلياك أنْ تثني عليك وتحمدا
فدتك الأعادي من كريم مهذّبٍ … غزارٍ أياديه وقلَّ لك الفدا
نُصِرْتُ على خصمي به ولطالما … خذلت به خصمي علاءً وسؤددا
وأرغمتُ أنف الحاسدين بمجده … فلا زال في المجد العزيزَ الممجدا