أثنى شذا الروض على فضل السحب … واشتملت بالوشي أرداف الكثب
ما بين نور مسفراللثام … وزهر يضحك في الأكمام
إن كانت الأرض لها ذخائر … فهي لعمري هذه الأزاهر
قد بسطتها راحة الغمائم … بسط الدنانير على الدراهم
أحسن بوجه الزمن الوسيم … تعرف فيه نضرة النعيم
وحبذا وادي حماة الرحب … حيث زهى العيشُ به والعشب
أرض السناء والهناء والمرح … والأمن واليُمن ورايات الفرح
ذات النواعير سقاة التربِ … وأمهات عصفه والأب
تعلمت نوح الحمام الهتف … أيام كانت ذات فرع أهيفِ
فكلها من الحنين قلبُ … لاسيما والماء فيها صب
لله ذاك السفح والوادي الغرد … والماء معسول الرضاب مطّرد
يصبو لها الرآئي ويهفو السامع … ويحمد العاصي فكيف الطائع
إذا نظرت للربا والنهر … فارو عن الربيع أو عن جعفر
محاسن تلهي العيون والفكر … ربيع روضات وشحرور صفر
أمام كل منزل بستان … وبين كل قرية ميدان
أما رأيت الورق في الأوراق … جاذبة القلوب بالأطواق
فبادر اللذة يا فلان … واغنم متى أمكنك الزمانُ
و لا تقل مشتى ولا مصيفُ … فكل وقت للهنا شريفُ
كل زمان يتقضى بالجذل … زمان عيش كيفما دار اعتدل
أحسن ما أذكر من أوقاته … وخير ماأبعث من لذاته
بروزنا للصيد فيه والقنص … وحورنا من مره أحلى الفرص
و أخذنا الوحش من المسارب … وفعلنا في الطير فوق الواجب
لما دنا زمان رمي البندق … سرنا على وجه السرور المشرق
في عصبة عادلة في الحكم … وغلمة مثل بدور التمّ
من كل مبعوث إلى الأطيار … تظله غمامة الغبارِ
و كل معسول الشباب أغيد … منعطف عطف القضيب الأملد
قد حمد القوم به عقبى السفر … عند اقتران القوس منه بالقمر
لولا حذار القوس في يديه … لغنّت الورق على عطفيه
في كفه محنية الاوصال … قاطعة الاعمار كالهلال
زهراء خضراء الاهاب معجبه … مما ثوت بين الرياض المعشبه
فاغرة الافواه للاطيار … طالبة لهنّ بالأوتار
كأنها حول المياه نون … أو حاجب بما تشا مقرون
لها نبات بالمنى مغدوقة … من طيبة واحدة مخلوقة
سامعة لما تشير الأم … مع أنها مثل الحجار صمّ
واهاً لها من شهب تخطف … شاهرة بالعزم وهي تقذف
كأنها والطير منها هارب … خلف الشياطين شهاب ثاقب
حتى نزلنا بمكان مونق … اخوان صدق أحدقوا بالملّق
فياله في الحسن من محل … مراد جدّ ومراد هزل
للطير في مياهه مواقع … كأنها من فوقه فواقع
فلم نزل في منزل كريم … نروي حديث الرمي عن قديم
حتى طوى الافق رداء الورس … والتقم المغرب قرص الشمس
و ذر مسك الليل في فرق الافق … واتشحت خود السماء بالنطق
وابتدر القوم إلى المراصد … من ساهر الليل التمام ساهد
بينا الطيور في مداها سائره … اذا هم من عينه بالساهره
كالليث يسطو كفه بأرقم … والبدر يرمي في الدجى بأنجم
و أقبلت مواكب الطيور … على طروس الجوّ كالسطور
فحبذا السطورفي المهارق … منقوطة الاحرف بالبنادق
من كل تم حق أن يسمي … ضياءه المشرق بدر التم
تخاله من تحت عنق قد سجا … طرّة صبح تحت أذيال الدجى
و كل حيّ حسن الوسامه … كأنه في أفقه غمامه
تتبعه أوزة دكناء … من دونها لفلفة غرَّاء
تقدمها أنيسة ملونه … تابعة من كل وصف أحسنه
يجني بها الآكل خير ما جنى … وأحسن المأكول ما تلَّونا
و ربما مر لديها حبرج … كأنه على نضار يدرج
و انقض من بعض الجبال النسر … له بأبراج النجوم وكرُ
مغبر الخلق شديد الأيدي … يبني على الكسر حروف الصيد
و كل كركي عجيب السير … كأنه طيف خيال الطير
ما بين أحشاء الظلام يسري … من أرض بغداد لأرض مصر
يحث مسراه عقاب كاسبه … خافضة لحظ الطيور ناصبه
إذا مضت جملتها المعترضه … تواصلت خيوطها المنقرضه
و أبيض الغيم يسمى مرزما … كم بات مثل نوئه منسجما
يحثّ غرنوقا شهي المجتلى … مقدًَّماً على الغرانيق العلى
و كل صوع مبهت المفاجي … كالبرق يخطو فوق ليل داجي
و أبيض مثل الغمام يسجم … وكيف لا يسجم وهو مرزمُ
يحفه شبيطرٌ قويّ … في ملة الأطيار موسويّ
هذا وكم ذي نظر ممتاز … ينعت في الواجب بالعُنّاز
اسوده ذو غرة في الصدر … كأنه نور الهدى في الكفرِ
فلم تزل قسينا الضواري … تصيبها بأعين النظار
حتى غدت دامية النحور … ساقطة منها على الخبير
كأنها وهي لدينا وقع … لدى محاريب القسيّ ركّعُ
و أصبحت أطيارنا قد حصلت … فلا تسل بأي ذنب قتلت
مستتبعاً وجه العشا وجه السحر … وكل وجه منهما وجه أغر
يالك من صيد مقرّ العين … يرضي الصحاب وهو ذو وجهين
لم نرض ما وفى من الأماني … حتى شفعناه بصيدٍ ثاني
صيد الملوك الصيد بالكواسر … والخيل في وجه الصباح السافر
ذاك الذي تصبو له الجوارح … فهي الى طلابه طوامح
واثقة بالرزق حيث كانا … تغدو خماصاً وتجي بطانا
سرنا على اسم الله والمناجح … نعوم في الأقطار بالسوابح
خيل تحاذي الصيد حيث مالا … كأنها أضحت له ظلالا
تسعى لها قوائم لا تتبع … وكيف لا وهي الرياح الأربع
رائقة المنظر زهراء الغرر … كأنها الروضات حيّت بالزهر
من أحمر للبرق عنه خبر … يشهد أن الحسن حقاً أحمرُ
و أصفر الجلدة كالدينار … يسّر كفّ الصائد الممتار
و أشهب كالسهم في انقضاضه … وصفحة الطرس في ابيضاضه
ماضي السباق أظهر اللباس … ناهيك من سهم ومن قرطاس
و أخضر مثل سنا العيش النضر … يطوى الفلا وكيف لا وهو الخضر
و أدهمٌ ساد على الجيادِ … وهكذا السواد في السواد
تحفنا من فوقها غلمان … كأنهم لدوحها أغصان
تركٌ تريك في سناء الملبس … كواكبا طالعة في الأطلسِ
منظومة الأوساط بالسلاح … من كلّ سهم رجلُ الجناح
و كل عضب ذرب المقاطع … يحرّف الهام عن المواضع
على يد الزائر منهم زاده … من كل باز قرم فؤاده
قد كتبت في شكله حروف … تقري بما يقرى به الضيوف
فالمنسر الأشفى بحال جيما … والعين تجلى بالنضار ميما
دان لمن يتلوه خير جمّ … سهم إذا حبرته أو شهم
و كل شاهينٍ شهيّ المرتمى … كبارقٍ طار وصوب قد همى
بينا تراه ذاهباً لصيده … معتصماً بأيده وكيده
حتى تراه عائداً من أفقه … ملتزماً طائره في عنقه
أفلح من كان على يسراه … حتى غدت حاسدة يمناه
تلك يد لا تعرف الاعسارا … لأجل ذا قد سميّت يسارا
و كل صقر مسبل الجناح … مواصل الغدوّ والرواح
ذو مقلة لها ضرام واقد … تكاد تشوي ما يصيد الصائد
كأنما المخلب منه منجل … لحصد أعمار الطيور مرسل
عيش ذوي الصيد به عيش رخي … يصلح أن يدعى وكيل المطبخ
يا حبذا طيور جدّ ولعب … تهوي الى الأرض وللأفق تثب
من سنقر عالي المدا والشان … معظم الأخبار والعيان
كأنه خليفة قد أقدما … يفسد الأرض ويسفك الدما
يصعد خلف الرزق ليس يمهله … كأنه من السما يستعجله
و من عقاب بأسها مروع … كأنها للطير جنّ تفزع
كم جلبت لطائر من مهن … وكم وكم قد أهلكت من قرنِ
و حبذا كواسر الكواهي … عديمة الأنظار والأشباه
مخصومة بالطرد القويم … حدباً كظهر الذنب الركيم
ذاك لعمري حدبٌ للرائي … يعدل ملك القلعة الحدباء
هذا وقد تجهزت أعدادُ … تجمعها الكلاب والفهاد
من كل فهد عنتريّ الحمله … اذا رأى شخص مهاة عبله
مبارك الإقبال والإعراض … مستقبل الحال بنابٍ ماض
كأنه من حده كنابه … قد أحرق الأنجم في إهابه
له على مسائل الجفون … خطّ لبعض الألفات الجون
ما أبصر المبصر خطا مثله … وكيف لا والخط لابن مقله
و كل منسوب إلى سلوق … أهرت وثّاب الخطا مشوق
طاوي الفؤاد ناشر الأظافر … يا عجباً منه لطاوٍ ناشر
يعض بالبيض ويخطو بالقنا … ويسبق الوهم لإدراك المنى
كالقوس إلا أنه كالسهم … والغيم يجلو عن شهاب رجم
اذا ترآى بقر الوحش اندفع … كأنه المريخ في الثور طلع
قاصرة عن طرفه يداه … مشروطة برجله أذناه
لو أمكن الشمس التي تجلى له … ما سمّيت من خوفها غزاله
يشفعه بكل غور غار … مغالب الصيد على الأوكار
يكاد يبغي سلماً إلى السما … أو نفقاً في الأرض حيث يمما
واهاً لها من أكلب طوارد … معربة عن مضمر المصائد
قد بالغت من طمع في كسبها … ففتشت عن أنفسٍ لم تخبها
حتى اذا تمّت بها الأمور … حفّت بنا لصيدها الطيور
ما بين روضات صمدنا نحوها … ودور آفاق ملكنا جوّها
و استقبلت أطيارها البزاة … معلمة كأنها عزاة
فلم تزل تسطو سطا الحجاج … على الكراكيّ أو الدراج
اذا نحت سائرة محلقة … عادت بها كمضغة مخلّقة
حتى غدت تلك الضواري صرعى … مجموعة لدى التراب جمعا
كأن أقطار الفلاة مجزره … أو روضة من الدماء مزهره
كأن صرعى وحشها كفار … الموت عقبى أمرها والنار
للمرء فيها منظرٌ أحبه … يملأ من لحم وشحم قلبه
لله ذاك المنظر المهنى … إنّ معان عن ذراه عدنا
قد ملئت من ظفر أيدينا … وقد شكرنا الفضل ما حيينا
نشير حول الملك المنصور … كالشهب حول القمر المنير
محمدٌ ناصر دين أحمد … الملك ابن الملك المؤيد
قال الأنام حظه جلي … قلت نعم وجدّه عليّ
ذاك الذي سامى العلى صبيا … وجاءه من مهده مهديا
ناش على الحر وتقليب المنن … كأنما مزجته من اللبن
بين حجور العلم والاعلام … تكنفه لواحظ الأقلام
محكم السطوة سحّاح الديم … يأخذ بالسيف ويعطي بالقلم
لو لمس الصخر لفاض نهراً … أو صحب النجم لعاد بدرا
تختمت بيمنه المكارمُ … فهو على كل الوجوه حاتمُ
لا ظلم تلقى في حماه العالي … إلا على الأعداء والأموال
أما ترى بالصيد فرط حبه … تمرنا على اعتياد حربه
اما ترى الدينار منه خائفاً … أصفر في كفّ العفاة ناشفا
يا قاطعاً عرض الفلا وواصلاً … وقادماً يبغي العلى وراحلا
إذا تأملت المقام الناصري … فاعقد عليه أكرم الخناصر
ملك إذا حققته قلت ملك … قاضية بسعده أيدي الفلك
كالبدر في سنائه وتمه … والطود في وقاره وحلمه
تسجد ان لاح رؤوس العالم … وراثة قد حازها من آدم
ماضر من خيّم في جنابه … أن لا يكون الشهد من أطنابه
مرأى يشف عن فخار الأهل … ونسخة قد قوبلت بالأصل
جنابه عن جاره لا ينكب … وباب نجح للمنى مجرب
غنيتُ في ظلاله عن الورى … غنى نزيل المزن عن قصد القرى
و رحت عن نعماه بالتواتر … أروي أحاديث عطا وجابر
معتصماً بالكرم المؤيد … مصلي الحمد على محمد
قديم قصد وثناء أو هوى … ما ضلّ سعيٌ فيهما ولا غوى
يزيد لفظي بهجة ورونقا … كأنه الخمرة إذ تُعتقا
حسبك مني في الثناء شاعرا … وحسب شعري قوة ً وناصرا